الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

رفاق النسيان


الأربعاء   00:42   24/09/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - مريم بن ثنية
حين يُذكر الزهايمر تتّجه الأنظار إلى من أصيب بالنسيان، إلى ذلك الشخص الذي خفتت ذاكرته، وتبعثرت ملامح ماضيه، وأصبح حائراً في زمن يعرفه الجميع إلا هو لم يعد يعرف شيئاً، لكن خلف هذا الغياب، هناك حضور لا يُرى، هناك صمود يومي لا تتحدث عنه الشاشات، أقصد المرافقين، الذين يرافقون الألم بصمت، ويعيشون التعب بحب، ويسندون الغائب عن نفسه دون انتظار مقابل.

الزهايمر ليس مرضاً فردياً، بل حالة عائلية تستنزف كل من حول المصاب، يتحوّل البيت إلى مساحة مراقبة دائمة، وتتبدّل الأدوار فجأة، الابن يصبح والداً، والزوجة تصبح ممرضة، والأخت تتحوّل إلى مرشدة نفسية.

المرافق لا يَنسى، حتى حين يَنسى المريض، يتذكّر الملامح التي اختفت، والذكريات التي تبعثرت، ويعيد شرح البديهيات يوماً بعد يوم دون كلل، هو لا يعيش دورة حياة طبيعية، بل يعيش في دائرة من التكرار والانكسار، حيث الحنين دائم، والأمل هش، والصبر هو السلاح الوحيد.

الدراسات العلمية لا تغفل عن هذا العبء، تقارير صادرة عن مؤسسات بحثية عالمية، مثل مجلة Nature وBMC Geriatrics، تؤكد أن أكثر من 60% من مرافقِي مرضى الزهايمر يعانون تحديات مثل الاكتئاب والقلق والتوتر المستمر، وتشير الأبحاث إلى أن غياب التدريب والدعم الاجتماعي يزيد من تفاقم هذا العبء، بينما يخفّضه الدعم النفسي المنتظم بنسبة كبيرة، إنها أرقام توثّق ما يعرفه كل مرافق.. أن التعب الحقيقي لا يُرى، لكنه يسكن الجسد والروح معاً.

هؤلاء لا ينتظرون الشكر، لكنهم يمارسون أسمى درجات التضحية كل يوم، يصحون على صوت النسيان، وينامون على قلق الرحيل، ويواصلون العطاء دون ملل، إنهم يربّتون على أكتاف الغياب، ويحفظون الملامح القديمة في ذاكرتهم حين تفلت من ذاكرة أحبّتهم.

في كل يوم، علينا أن نوسّع زاوية النظر، ألا نكتفي بالحديث عن المصاب وحده، بل أن نلتفت إلى من يتذكّر نيابة عن الجميع، لمن لايزال يكتب اسم المريض على الورق كيلا يضيع، ويضع صور الأبناء في الغرفة كيلا تُمحى، ويرد بابتسامة كل مرة يُسأل فيها: من أنت؟

هؤلاء هم الحاضرون حقاً، هم رواة الحكاية حين يسكت الراوي، هم القلب الذي لا ينسى.

* عضو المجلس الوطني الاتحادي


مشاركة عبر: