الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

السردية الأردنية في قلب الخطاب السياسي


الأربعاء   00:44   26/11/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - ميس القضاة

تزايد حضور مفهوم السردية الأردنية في الخطاب السياسي خلال السنوات الأخيرة، بحيث لم يعد مجرد مصطلح عابر أو جزءًا من لغة رمزية، بل تحوّل إلى مشروع وطني يهدف إلى إعادة إنتاج الهوية الجامعة وتعزيز مساحة الوعي المشترك بين الدولة والمجتمع. ويعكس هذا التوجه إدراكًا عميقًا لدى القيادة السياسية بأن الدول لا تُبنى بالمؤسسات المادية وحدها، بل تحتاج إلى رواية واضحة عن ذاتها، تتماشى مع تاريخها وتستجيب لتحولات الواقع، وتمنح مواطنيها شعورًا بالانتماء والمسؤولية تجاه المستقبل. وهكذا بدا الخطاب السياسي الأردني يمارس وظيفة مزدوجة، فهو يُدار لإدارة الشأن العام وفي الوقت نفسه يُستخدم لإعادة تعريف قصة الأردن وصياغتها بما يتلاءم مع متطلبات الدولة الحديثة.

إن تعميق السردية الوطنية يبدأ بتحديد مكوّناتها وتثبيتها في الذهن الجمعي، من خلال تقديم جذور الدولة التاريخية، ابتداءً من الإرث العربي والإسلامي مرورًا بالثورة العربية الكبرى وصولًا إلى مسار التأسيس بقيادة الهاشميين، ثم تعزيز حضور المحافظات باعتبارها جزءًا أصيلًا من صناعة التاريخ الوطني عبر استحضار الأحداث والمعارك المحلية. وبذلك تتشكل سردية شاملة لا تحتكرها العاصمة ولا تُقصي الأطراف، بل تُعيد توزيع الضوء على جميع الفاعلين التاريخيين الذين ساهموا في بناء الدولة.

ولا يكتفي الخطاب السياسي باستدعاء الماضي، بل يربطه بالحاضر والمستقبل، إذ تعتبر السردية الأردنية مشروعًا مستقبليًا يربط بين جذور الدولة ورؤاها التحديثية، ويمنح الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي مشروعية مستمدة من سياق تاريخي طويل. كما يُعد إدماج الشباب والمرأة في صلب هذه السردية من أهم أدوات تعزيزها، حيث تُوجَّه الخطابات السياسية لإقناعهما بدورهما المباشر في صناعة المستقبل، وربط قيم المبادرة والمسؤولية والمشاركة السياسية والاجتماعية بالوعي الوطني والمواطنة الفاعلة.

كما يلعب الخطاب السياسي دورًا محوريًا في حماية الذاكرة الوطنية من التشويه، خاصة في عصر الفضاء الرقمي المفتوح، إذ تعمل السردية الوطنية كإطار تفسيري موثوق يمنع إعادة كتابة التاريخ بشكل انتقائي أو مغرض، ويعزز مناعة المجتمع أمام الأزمات. وعندما تتلاقى الرسائل السياسية مع المناهج التربوية والإنتاج الثقافي والمحتوى الإعلامي وبرامج الشباب والمرأة، تتحول السردية إلى مشروع مؤسسي جزء من الثقافة اليومية، ويستمر تأثيرها عبر الأجيال.

وهكذا يظهر أن توظيف الخطاب السياسي في تعميق السردية الأردنية ليس مجرد عملية لغوية أو رمزية، بل مشروع وطني يعيد ترتيب العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويحوّل الهوية الوطنية إلى منظومة حية تتجدد باستمرار، ويضمن حضور الأردن القوي في ضمير مواطنيه وفي محيطه الإقليمي والدولي.




مشاركة عبر: