الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

عندما يئن المستقبل: قراءة في احتجاجات المغرب


الأحد   01:33   12/10/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - الدكتور فؤاد كريشان

تشهد المغرب موجة احتجاجات غيرمسبوقة يقودها شباب ينتمون إلى ما يُعرف بجيل "زد". هذا الجيل، الذي نشأ في ظل ثورة التكنولوجيا والتواصل الرقمي، وهو نفس الجيل الذي قاد قبل عدة اسابيع احتجاجات واسعة في نيبال وذلك بعد قرار الحكومة حظر منصات التواصل الاجتماعي، ما أثارغضب الشباب وسرعان ما تحولت المظاهرات إلى حركة تطالب بالعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد، وانتهت بسقوط الحكومة واستقالة رئيس الوزراء، لتُشكَّل حكومة مؤقتة جديدة استجابةً لضغط الشارع الشبابي.

وهو الان (جيل زد) في المغرب يقرر نقل صوته من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشوارع، مطالباً بإصلاحات حقيقية في مجالات الصحة والتعليم وفرص العمل. ورغم تنوع الشعارات التي رُفعت خلال هذه الاحتجاجات، فإن جوهرها يعكس أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة تراكمت عبر سنوات من سوء توزيع مكتسبات التنمية، وتراجع جودة الخدمات العامة وتزايد إحباط جيلٍ يشعر بأن المستقبل يضيق في وجهه.

جيل زد في المغرب ليس مجرد فئة عمرية غاضبة، بل هو أنعكاس لواقع اقتصادي/اجتماعي يعاني خاصة في القرى والمناطق النائية، حيث ان نسبة بطالة الشباب كبيرة تتجاوز 36% في السنوات الاخيرة، إلى جانب ذلك، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهورالخدمات الصحية والتعليمية أضاف عبئاً جديداً على الأسر، ما جعل المطالبة بإصلاحات مسألة معيشية يومية أكثر منها قضية سياسية.

الاحتجاجات الأخيرة لم تقتصرعلى تحسين الاوضاع المعيشية فقط، لكنها انطلقت من مبدأ اقتصادي هام يحث على اولويات الانفاق في الدولة. فشعار "نريد مستشفيات لا ملاعب" يعبرعن شعورعام بأن أولويات الدولة لا تتوافق مع احتياجات الناس. فالاستثمار في مشاريع وبنى تحتية لفعاليات رياضية كبرى مهم، لكنه بفقد اهميته عندما تعاني فيه المستشفيات من نقص حاد في المعدات والكوادر، مما أثار غضباً واسعاً بين الشباب في المغرب الذين يرون أن العدالة في الإنفاق شرط أساسي لاستعادة الثقة بالمؤسسات العامة وبالدولة ككل.

ومع ذلك، فإن جيل زد المغربي لا يرفع شعارات سياسية صريحة بقدر ما يطالب بكرامة اقتصادية وعدالة اجتماعية. فالمطالب المتعلقة بالصحة والتعليم والعمل تعكس بحثاً عن عقد اجتماعي جديد يقوم على الكفاءة والمساءلة والعدالة. هذا الجيل، الذي يعبر عن نفسه في العالم الرقمي، لم يعد يقبل التبريرات التقليدية أو الخطابات الرسمية التي تفصل التنمية عن حياة المواطن اليومية. لقد أدرك أن غياب العدالة الاقتصادية هو جوهر الخلل، أن الإصلاح الحقيقي يقوم على تنمية الإنسان باعتباره المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي والتنمية، إذ لا تحقق الاستثمارات في البنية التحتية وتحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية أثرًا مستدامًا، ما لم لا يلمسها الناس بحياتهم اليومية.

إذا نظرنا إلى المؤشرات الصحية في المغرب، نجد أن نفقات الصحة تستحوذ على 6.8% من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة أقل من المعدل العالمي البالغ 10 تقريبا%. في حين أن عدد الأطباء في المغرب يبلغ 7.4 لكل 10 آلاف نسمة، أي أقل من المعايير الدولية التي توصي بما يتراوح من 10 إلى 15 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة. هذه الأرقام قد تكشف جانباً من الأزمة، لكنها لا تفسر وحدها موجة الاحتجاج، إذ تتداخل هذه المؤشرت مع العوامل الاقتصادية مع إحساسٍ متراكم بعدم العدالة الاجتماعية وانسداد الأفق وخاصة في بعض القرى والمدن المغربية النائية.

أما بالنسبة للأردن، فإن قراءة المشهد المغربي تقدم دروساً بالغة الأهمية، صحيح أن الاردن يعد افضل حالا من المغرب في كافة المؤشرات الصحية، وبالرغم من ذلك، فأن بعض المؤشرات الاقتصادية الأردنية لا تعد افضل حالا من المغرب، خصوصاً فيما يتعلق ببطالة الشباب التي تتجاوز 46% في السنوات الأخيرة. ورغم اختلاف السياقين السياسي والاجتماعي بين البلدين، فإن جوهر المشكلة واحد: جيل واسع من الشباب المتعلم محدود الفرص، يرى أن التنمية لا تمس حياته اليومية. ومن هنا تُظهر التجربة المغربية بوضوح أن تجاهل البعد الاقتصادي والاجتماعي في السياسات العامة قد يفتح الباب أمام احتجاجات يصعب احتواؤها لاحقاً.

الدروس المستفادة للأردن واضحة: لا بد من معالجة حقيقية لبطالة الشباب عبر برامج تشغيل مدروسة تاخذ بعين الاعتبار جانبي سوق العمل، العمل تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية خصوصاً في المناطق التي تشهد تراجعا عن المستوى الوطني، وتعزيز الشفافية في أولويات الإنفاق العام. كما يجب بناء قنوات تواصل جديدة مع الجيل الشاب تقوم على الحوار والمشاركة. فجيل اليوم لا ينتظر وعوداً طويلة الأجل، بل يريد نتائج ملموسة يشعر بها في حياته اليومية.

* أستاذ الاقتصاد المشارك - الجامعة الاردنية



مشاركة عبر: