الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

هل كرر ترامب ما فعله أيزنهاور وكارتر مع إسرائيل؟


الأحد   01:33   12/10/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - داود عمر داود

يبدو أن إسرائيل، بقيادة "بنيامين نتنياهو"، قد أوصلت الأمور إلى منتهاها، فيما يتعلق بالعلاقة التي تربطها مع الولايات المتحدة. فقد رسخت ألاعيب وأكاذيب ومراوغة نتنياهو قناعةً في واشنطن جعلتها تتصرف بشكلٍ غيرِ مألوفٍ مع إسرائيل. فقد تمت محاصرة "نتنياهو" في آخر زيارة له إلى واشنطن، من خلال الحوار ومحاولة الإقناع، أن يوقف حربه على غزة. لكن "نتنياهو" الزئبقي في مواقفه، يلتزم بأمرٍ ما خلال الاجتماع، ثم يغير رأيه وهو خارج من بوابة البيت الأبيض. وهو في ذلك يشبه اثنين من أسلافه، "مناحيم بيغن" ومن قبله "ديفيد بن غوريون".

إنعدام الثقة في "نتنياهو":
لم تعد هناك ثقة في واشنطن بـ "نتنياهو". فقد حاول "ترامب" محاصرته، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، لوقف الحرب، إلا أنه لم يفلح، مما اضطره أن يلجأ إلى ممارسة ضغوطٍ غير مألوفةٍ على نتنياهو، لأول مرة بعد ما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر"، عام 1978، مع "بيغن"، لدى توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" مع مصر. وما فعله، قبل ذلك، الرئيس الأسبق "دوايت أيزنهاور"، عام 1957، مع "بن غوريون"، إثر "العدوان الثلاثي" على مصر.

كيف عالج ترامب ألاعيب "نتنياهو"؟:
يبدو أن الجانب الأمريكي كان يدرك أن "نتنياهو" يريد إفشال "خطة ترامب"، لوقف الحرب على غزة، بحجته المعتادة، أن الوزراء المتطرفون لم يوافقوا، وهو لا يريد سقوط حكومته، إن خالفهم. وهذه هي نفس اللعبة التي كان يستخدمها لإفشال "جهود السلام" الأمريكية، من قبل، طوال فترات حكمه المتعاقبة. أدرك الأمريكيون مبكراً لعبة "نتنياهو" والمتطرفين، لكنهم لم يستطيعوا معالجتها، إلى أن عالجها ترامب بنفسه ويبدو، لغاية الآن، أنه نجح.

حضور مندوبا ترامب جلسة الحكومة الإسرائيلية:
لقد وصل انعدام ثقة الإدارة الأمريكية بـ "نتنياهو" حداً أن أقحمت مندوبا ترامب، "جاريد كوشنر" و"ستيف ويتكوف"، بحضور جلسة الحكومة الإسرائيلية، التي تمت فيها المصادقة على خطة وقف الحرب على غزة. وتم ذلك بطريقة محكمة طوقت "نتنياهو" من جميع الجهات. فمداولات الحكومة الإسرائيلية تجري عادة باللغة العبرية، ويُفترض أنها لغة يتقنها مندوبا ترامب كونهما يهوديا الديانة، فلا بد أنهما يتقنان اللغة العبرية. ولو لم يحضرا لما نجحت طريقة محاصرة "نتنياهو"، ولخرج على الإعلام وكذب كعادته بأن الوزراء أجبروه على عدم قبول خطة ترامب لوقف الحرب. لكن المندوبين الأمريكيان حضرا جلسة الحكومة الإسرائيلية، وفهما المداولات حتى لو كانت بالعبرية، واستمعا لردود فعل الوزراء، والتصويت. وهكذا تمت محاصرة نتنياهو في عقر داره.

إدارة بايدن تعرضت لخداع "نتنياهو":
في الأيام الأولى من حرب غزة، تعرضت إدارة بايدن لخداع كبير من "نتنياهو"، حين أعلن وزير خارجيتها، أتوني بلينكن، عن أنه توصل إلى تفاهم مع "نتنياهو"، على (أولاً) وقف الغارات الإسرائيلية على المدنيين، و(ثانياً) على فتح معبر رفح أمام مغادرة الأجانب من قطاع غزة، و(ثالثاً) إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، و(رابعاً) إعادة ضخ مياه الشرب لجنوب القطاع.

وبناءً على ذلك التفاهم، قامت السفارة الأمريكية، في إسرائيل، بإبلاغ رعاياها، في غزة، بالانتظار قرب معبر رفح، لحين فتحه، عند الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم الثلاثاء. فذهبت جموع المغادرين الأمريكيين إلى المعبر، فوجدته مغلقاً.

تنصل "نتنياهو" من تفاهمه مع "بلينكن":
سبب إغلاق المعبر أن "نتنياهو" تراجع عن تفاهماته الأربعة مع "بلينكن"، بدون حتى إبلاغ الجانب الأمريكي. ولم يمر وقت طويل حتى أنكر التفاهمات برمتها. إذ أعلن مكتبه أنه "لا اتفاق على هدنة حالياً أو إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة مقابل إخراج الأجانب". تبع ذلك إعلان رسمي، من وزير خارجية مصر، أن "نتنياهو" تنصل من تفاهمه مع "بلينكن" وقال: "مع الأسف لم تسمح إسرائيل حتى الآن بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة".

نتنياهو يتحدى أمريكا:
وهنا شعرت إدارة بايدن بحرج كبير نتيجة خداع نتنياهو لها. فالتقى "بلينكن"، الذي عاد إلى إسرائيل من مصر، مع الطاقم الوزاري الإسرائيلي المصغر، بحضور "نتنياهو" ووزير دفاعه السابق "يوآف غالانت"، فكان الإصرار الإسرائيلي بعدم التجاوب التام مع أيٍ من المطالب الأمريكية، لتهدئة الموقف في غزة. واستمرت الغارات الجوية الإسرائيلية، لتدمير مزيدٍ من المباني السكنية، وقتل عدد أكبر من المدنيين، حتى طال القتل أسراها. وبناء على هذا التعنت والصلف الإسرائيلي، جاء إعلان البيت الأبيض، بنفس اليوم، أن الرئيس السابق "جو بايدن" سيقوم بزيارة عاجلة إلى الشرق الأوسط، تبدأ بإسرائيل.

بايدن حاول إطفاء الحريق وإسرائيل تتمرد:
جاء "بايدن" إلى المنطقة، على وجه السرعة، ليحاول إطفاء الحريق الكبير المشتعل، ظاناً أن حظه سيكون أفضل من حظ وزير خارجيته، وليحاول إجبار إسرائيل على وقف صب مزيدٍ من الزيت على النار المشتعلة، قبل أن يتسع الفتق على الراتق، فيمتد الحريق ليشمل المنطقة برمتها. وبدت إسرائيل في ذلك اليوم منفلتةً من عقالها، متمردةً على أسيادها.

لقد أدرك الأمريكيون تماماً أن إصرار "نتنياهو" على مواصلة حربه، لتدمير غزة وقتل وتجويع أهلها، أمر له تبعات خطيرة، على الوضع الإقليمي، وعلى أمريكا نفسها.

وهو ما حصل فعلاً. فعدم مقدرة واشنطن على ضبط تصرفات إسرائيل، بقيادة "نتنياهو"، جعلها تتلقى اللوم لوحدها، على إنفلات إسرائيل. أما دول أوروبا الغربية المساندة للكيان، فقد تنصلت "إعلامياً" من أفعال إسرائيل، واعترفت بفلسطين، بينما بقيت تمد يد العون لإسرائيل، وما زالت. بينما تلقت أمريكا اللعنة لوحدها، ولعب الأوروبيون دور الأبرياء من التواطؤ مع إسرائيل، في حرب الإبادة.

إسرائيل صممت على الانتحار ونالت ما تريد:
رغم جهود إدارة "بايدن، تلتها إدارة "ترامب"، صممت إسرائيل على عدم الإصغاء، وعلى المضي قُدماً في حرب إبادة غزة ومن فيها. وبدا واضحاً آنذاك أن تصميم إسرائيل لا بد وأن يقودها إلى الانتحار.

وذكرت الأنباء، في حينه، أن الأمر وصل إلى حد أن هدد بلينكن إسرائيل بوقف المساعدات العسكرية إذا لم توقف الحرب، لكن نتنياهو أصر على موقفه الرافض، غير عابئٍ بالضرر الذي سيلحق بمستقبل ووجود كيانه.

وجاءت بعد ذلك زيارة بايدن التي وجه خلالها لـ "نتنياهو"، أمام الكاميرات، سؤاله الشهير عن "اليوم التالي للحرب". وقد فشل "بايدن" حيث فشل وزير خارجيته، في إقناع "نتنياهو" بوقف الغارات على المدنيين، وإدخال الطعام والشراب والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة. ولكنها وصلت.

هل تكرر مشهد العدوان الثلاثي عام 1956؟
هذا الصلف الإسرائيلي، في تحدي أمريكا، ربما يُذكّر بما حصل بعد العدوان الثلاثي على مصر، الذي بدأ أواخر تشرين أول اكتوبر، عام 1956، حين قامت كلٌ من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، باحتلال قطاع غزة، وسيناء وقناة السويس. وكان لهذا العدوان تبعات على الساحة الدولية، إذ ساهم في تغيير ميزان القوى في العالم، فتراجع على إثره نفوذ القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا وفرنسا، وبرزت القوى الاستعمارية الصاعدة، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

أدانت واشنطن وموسكو الحرب على مصر، التي استمرت 5 أسابيع، لغاية السابع من تشرين ثاني نوفمبر 1956. ولما رفضت القوى المعتدية الانسحاب، ما كان من الرئيس الأمريكي آنذاك، دوايت أيزنهاور، إلا أن وجه تهديدا للأطراف الثلاثة المعتدية باستخدام السلاح النووي ضدها إن هي لم تنسحب. وكانت النتيجة أن رضخ المعتدون. وفي 22 كانون الأول ديسمبر 1956، قامت الأمم المتحدة بإجلاء القوات البريطانية والفرنسية، بينما أتمت إسرائيل، بقيادة "ديفيد بن غوريون"، إنسحابها في 16 آذار مارس 1957.

الخلاصة: إسرائيل بين بيغن ونتنياهو:
عندما صعد "اليمين" الإسرائيلي إلى سدة الحكم لأول مرة عام 1977، بزعامة "مناحيم بيغن"، ورث من حكومة "اسحق رابين" السابقة اتفاقية السلام مع مصر شبه جاهزة للتوقيع. فوجد نفسه مجبراً على التعاطي معها، وهو الرافض لمبدأ "الأرض مقابل السلام". لكن الأمريكيين لم يتركوا لـ "بيغن" أية فرصة للتملص منها، رغم مماطلاته وألاعيبه، وحاصروه مثلما حاصروا تلميذه "نتنياهو". فلما حان وقت التوقيع على الاتفاقية مع "السادات"، أخذ "بيغن" يتململ ويتردد، فأرسل له الرئيس "جيمي كارتر"، عرّاب الاتفاقية، وفداً إلى فندقه في نيويورك وخيروه بين أن يوقّع وإلا !!! فاختار التوقيع مرغماً!

ومن رحم نفس التيار الفكري اليميني، خرج "بنيامين نتنياهو" الذي ظل، لسنين طويلة، يتملص من قبول الخطة الأمريكية المتمثلة بحل الدولتين. ويبدو أن هذا ما فعله "ترامب" بـ "نتنياهو": إما أن يوقف الحرب على غزة وإلا !!! فاختار وقف الحرب مرغماً، كحال "بيغين" ومن قبله "بن غوريون"!


مشاركة عبر: