سبعون عامًا بين الحلم والخذلان

أخبار هنا العالم - كابتن اسامة شقمان
بالأمس طويت السبعين من العمر. سبعون عامًا وأنا أتنفّس هواء الأردن، وأحمل في قلبي حلمًا بأن نكون وطنًا أفضل، أكثر عدلًا وكرامة وقدرة على النهوض. كبرنا على الوعود ذاتها: غدًا سيكون أجمل، سننهض، سنبني وطنًا يليق بأبنائه.
لكن بعد سبعة عقود، يبدو أن الغد ظلّ حبيس الوعود، وأن النهضة ما زالت حبرًا على الورق.
منذ أن وعيت على الدنيا، ونحن نسمع خطاب “الإصلاح” و”التطوير” و”النهضة”، لكن ما تحقق فعليًا أقل بكثير مما وعدونا به. نعم، هناك إنجازات لا يمكن إنكارها: مدارس وجامعات ومستشفيات وطرقات، ومؤسسات حافظت على استقرار الدولة وسط محيط مضطرب. لكن في المقابل، هناك فشل مزمن في جوهر ما يصنع الأمم: العدالة، الكفاءة، والتخطيط الرشيد.
لقد بنينا المباني، لكننا لم نبنِ الإنسان.
تحدثنا عن الاستثمار، لكننا طاردنا المستثمر.
رفعنا شعارات الإصلاح، لكننا أبقينا على البيروقراطية التي تخنق كل فكرة حرة.
أبدع شبابنا في الخارج لأن الداخل ضاق بهم ذرعًا، وهاجر العقل الأردني بينما بقيت الوجوه ذاتها تتداول المناصب وتعيد إنتاج الفشل.
المديونية اليوم ليست مجرد أرقام في تقارير وزارة المالية، بل وصمة في جبين جيلٍ ورث أعباء قرارات لم يتخذها. لقد أورثنا الأجيال القادمة ديونًا لا ذنب لهم فيها، نتيجة سوء التخطيط، وغياب الرؤية، وتغليب المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية.
كل مشروع غير مدروس، وكل قرار اقتصادي مرتجل، كان خطوة أخرى نحو رهن مستقبل الأردن للمجهول.
نحن لم نفشل في مواجهة الأزمات فحسب، بل فشلنا في منعها أصلًا.
فشلنا في تحويل مواردنا المحدودة إلى طاقة خلاقة، وفي جعل التعليم بوابة للفرص لا للمحسوبيات.
فشلنا في أن نمنح الشاب الأردني سببًا للبقاء، والنتيجة: نزيف دائم للكفاءات، واغتراب داخلي أشد مرارة من الغربة نفسها.
سبعون عامًا وأنا أرى الحلم يتآكل كل يوم تحت وطأة الشعارات الفارغة والقرارات المرتجلة.
لكن رغم الخيبة، لا أستطيع أن أكره هذا الوطن. الحب الحقيقي لا ينكسر، لكنه يغضب، يثور، يصرخ في وجه الخطأ لأنه يريد الإصلاح لا المجاملة.
لقد حلّ وقت الصراحة: ما لم نواجه فشلنا بجرأة، سنعيد إنتاجه في كل جيل جديد.
ما لم نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب الآخرين، سنبقى ندور في الحلقة ذاتها.
أنا لا أطلب المستحيل. أطلب فقط أن يكون الأردن كما حلمنا به: وطنًا يليق بتضحيات أهله، وبعرق شبابه، وبكرامة إنسانه.
سبعون عامًا من الحلم والخذلان كافية لتعلّمنا درسًا واحدًا:
أن الأوطان لا تبنى بالتصريحات، بل بالإرادة.
ولا تنهض بالخطط الورقية، بل بالصدق والمسؤولية.
مشاركة عبر:
-
سبعون عامًا بين الحلم والخذلان
06/10/2025 00:03
-
إنتِ مش مشروب طاقة
06/10/2025 00:03
-
التعليم والبطالة وتأثيرها على الشباب في المشرق العربي
06/10/2025 00:03
-
هل سيخرج الدخان الأبيض من سيناء
06/10/2025 00:03
-
من الوعي إلى النهضة... فكر الحزب الذي يصنع الأثر
06/10/2025 00:03
-
الأردن في زمن التحول...هل ستنتصر الرؤية؟
06/10/2025 00:02
-
بين جدران البيت
05/10/2025 03:07
-
اقتصاديات الذكاء الاصطناعي
05/10/2025 03:04
-
نشيد على مقاس الدم: فضح العقيدة المخفية خلف لحن إسرائيل
05/10/2025 03:04
-
أسبوع الحسم في الشرق الأوسط...بين التصعيد والتسوية
04/10/2025 12:04