نشيد على مقاس الدم: فضح العقيدة المخفية خلف لحن إسرائيل

أخبار هنا العالم - د. هيفاء ابوغزالة
في قاعة الأمم المتحدة، حيث تجتمع أصوات العالم لتتحدث عن العدالة والسلام وحقوق الإنسان، ارتفع صوت السفير الأردني وليد عبيدات، مندوب الأردن الدائم، موجهاً كلماته إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. لم تكن مداخلته مجرد رد بروتوكولي، بل كانت صرخة سياسية وثقافية مدوية، حين تساءل بجرأة لافتة:
“لماذا لا يُدرَّس النشيد الوطني الإسرائيلي لأولادنا في المدارس العربية والإسلامية كنوع من الثقافة والمعرفة؟ حتى يعرف كل عربي ومسلم من هو عدوه، ويستعد لمواجهته.”
بهذا السؤال، فتح السفير نافذة على قضية مسكوت عنها. فالنشيد الوطني لأي دولة يُفترض أن يكون مرآةً لقيمها ورسالةً تُلخص هويتها، لكن في حالة إسرائيل فإن النشيد ليس سوى وثيقة عداء مكتوبة بلغة الدم والرعب. ففي نصوصه تُزرع الكراهية بعبارات صريحة عن الرماح المغروسة في الصدور، وعن الرؤوس المقطوعة، وعن “شعب الله المختار” الذي يُشرعن العنف باسم العقيدة والحق التاريخي المزعوم.
في الوقت ذاته، يتعرض العالم العربي والإسلامي لضغوط متزايدة لتعديل مناهجه التعليمية، وتغيير تفسير بعض الآيات القرآنية، بحجة محاربة التطرف أو خطاب الكراهية. يسعون لفرض رقابة مشددة على نصوصنا ومناهجنا، بينما يُغضّون الطرف عن نشيد رسمي يتبناه كيان عضو في الأمم المتحدة، ويُردد يومياً في المدارس الإسرائيلية، بل ويُعزف في كل مناسبة رسمية عند استقبال الرؤساء والسفراء، .
هنا تكمن المفارقة الكبرى: نُحاسَب نحن على كل كلمة تُكتب في كتبنا، بينما ينجو الآخرون بنشيدهم الذي يشرعن الدم والإقصاء. كيف يُقبل أن يُطالب العرب بتليين خطابهم وحذف ما يُزعج الآخر، فيما يُبقى النشيد الإسرائيلي شاهداً على فكر إلغائي لا يعترف إلا بسيطرة قوة السلاح؟
إن ما قاله السفير عبيدات ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل هو كشف لحقيقة غائبة عن كثيرين: المعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضاً في النصوص، في الشعارات، في الرموز التي تُنشئ أجيالاً كاملة على ثقافة العداء. حين يُلقَّن الطفل الإسرائيلي منذ الصغر أن أمله يتحقق فقط عندما يرى دماء أعدائه، فإننا نكون أمام جيل جديد يتربى على الكراهية لا على السلام.
من هنا، فإن الدعوة إلى دراسة النشيد الإسرائيلي في مدارسنا، كما قال السفير، ليست دعوة للتطبيع مع رموزه، بل للتعرّف على حقيقة عقلية خصمٍ يُخفي عداءه خلف شعارات الديمقراطية. فالوعي هو خط الدفاع الأول، والمعرفة هي السلاح الأهم، لأن الجهل بعدوّك أخطر من مواجهته.
ولعل الأهم أن يتحول هذا الموقف إلى حملة عربية شاملة، تُطالب المؤسسات الدولية بازدواجية معاييرها: لماذا يُسمح لدولة عضو في الأمم المتحدة أن تتبنى نشيداً يحضّ على العنف والكراهية بينما تُراقَب مناهجنا كلمة بكلمة؟ ولماذا يُنتزع منا الحق في تعليم أبنائنا ثوابت ديننا وتاريخنا، في حين يُمنح الآخرون حرية تكريس خطاب دموي رسمي؟
إن كلمات السفير الأردني كشفت جوهر المسألة: الإرهابيون الحقيقيون ليسوا أولئك الذين تُلصق بهم التهم ظلماً، بل الذين يختبئون وراء نشيد وطني يتغنّى بالدماء والرؤوس المقطوعة، ويشرعن العنف كجزء من هوية دولة تزعم أنها ديمقراطية.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى رفع الصوت: لنعرف نشيد عدونا، لنفهم رموزه، ولنفضح أمام العالم ما يردده أطفاله يومياً. فالمعركة ليست فقط على حدود غزة أو في شوارع القدس، بل أيضاً في عقول الناشئة وفي النصوص التي تُشكّل وعيهم.
لقد قالها السفير الأردني بوضوح، والكرة الآن في ملعب الإعلام والثقافة والوعي العربي: إما أن نكشف زيف هذا النشيد ودمويته، أو أن نتركه يمرّ كما لو كان مجرد لحن موسيقي، بينما هو في الحقيقة عقيدة حرب مكتوبة على شكل أغنية.
مشاركة عبر:
-
سبعون عامًا بين الحلم والخذلان
06/10/2025 00:03
-
إنتِ مش مشروب طاقة
06/10/2025 00:03
-
التعليم والبطالة وتأثيرها على الشباب في المشرق العربي
06/10/2025 00:03
-
هل سيخرج الدخان الأبيض من سيناء
06/10/2025 00:03
-
من الوعي إلى النهضة... فكر الحزب الذي يصنع الأثر
06/10/2025 00:03
-
الأردن في زمن التحول...هل ستنتصر الرؤية؟
06/10/2025 00:02
-
بين جدران البيت
05/10/2025 03:07
-
اقتصاديات الذكاء الاصطناعي
05/10/2025 03:04
-
نشيد على مقاس الدم: فضح العقيدة المخفية خلف لحن إسرائيل
05/10/2025 03:04
-
أسبوع الحسم في الشرق الأوسط...بين التصعيد والتسوية
04/10/2025 12:04