من رفاهية الأرقام إلى وقف تعليمي وطني

أخبار هنا العالم
مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية
أعلنت الحكومة الأردنية عن تخصيص ريع بيع أرقام السيارات المميزة لصالح صندوق دعم الطلبة، وهي خطوة تعكس وعي الدولة بمسؤوليتها الاجتماعية وحرصها على الاستثمار في الإنسان. المبادرة بحد ذاتها تحمل بُعدًا إنسانيًا وتعليميًا راقيًا، فهي ليست مجرد إجراء مالي، بل رسالة تقول إن المجتمع الذي يكرّم أبناءه بالعلم، إنما يبني مستقبله بيديه، وكما قال الفيلسوف أرسطو "الغرض من التعليم هو غرس بذور الفضيلة والمعرفة التي تنمو مع مرور الوقت".
القرار يستحق الإشادة، لكن السؤال الأهم، هو كيف نضمن استمرارية عمل هذا الصندوق؟ فالأموال التي قد تتدفق على الصندوق مع بداية المشروع قد تنفد في سنوات قليلة إذا لم تُدار بعقلية استثمارية. ولهذا، فإن الرؤية الأكثر حكمة تكمن في تحويل هذا الصندوق إلى أداة استثمارية وطنية، بحيث يُستثمر رأس المال في مشاريع مدروسة، ويُستخدم العائد السنوي لدعم الطلبة. بذلك، يتحول الصندوق إلى ما يشبه "وقفًا تعليميًا" دائمًا، بدل أن يكون منحة مؤقتة تنتهي بانتهاء المال، ويضمن استمرارية الدعم ويحول المبادرة إلى مشروع متجدد للأجيال.
وهنا يحضر القول المأثور "إذا منحتَ الناس سمكة أطعمتهم ليوم، وإذا علمتهم كيف يصطادون أطعمتهم مدى الحياة". الفارق بين الدعم المباشر والاستثمار المستدام هو الفارق بين منحة عابرة وفرصة متجددة للأجيال.
وفي هذا الإطار، وكون القضايا الكبرى لا تُعالج فقط بقرارات حكومية فإن دور الأحزاب السياسية يصبح محوريًا. فكما في التجارب العالمية، حيث تُعتبر الأحزاب شريكًا في صياغة السياسات العامة وضمان استدامتها. وهنا يبرز "حزب عزم" الذي يضع التعليم والشباب في قلب رؤيته الوطنية، مؤكدًا أن صندوق مبيعات أرقام السيارات يجب أن يُدار كصندوق استثماري (أصل وطني) طويل الأمد، لا كمنحة مؤقتة. هذا الطرح يعكس روحًا سياسية حديثة، تنقل النقاش من كيفية إنفاق المال إلى كيفية تحويله إلى أصل وطني مستدام يخدم الطلبة جيلاً بعد جيل.
إن الاستثمار في التعليم لا ينعكس فقط على الأفراد، بل على المجتمع بأسره. فالمجتمع الذي يجد شبابه فرصًا للتعلم، هو مجتمع أكثر استقرارًا وأقل عرضة للتهميش والانحراف. وقد عبّر الفيلسوف جون لوك عن ذلك بقوله "العقل المتعلم هو العقل الحر". والعقول الحرة هي التي تبني الدول وتحصّنها من الأزمات.
صندوق مبيعات أرقام السيارات خطوة مهمة، لكنها ستكون أكثر تأثيرًا إذا ما أُديرت بعقلية استثمارية رشيدة تحوله إلى صندوق المستقبل. فبدلاً من أن ينتهي المال بانتهاء الأعوام، يمكن أن يتحول إلى مصدر دائم للدعم والعطاء. وكما يقول المثل الصيني القديم "إذا أردت أن تخطط لسنة فازرع قمحًا، وإذا أردت أن تخطط لعقد فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تخطط لمئة عام فازرع إنسانًا".
الأردن اليوم، بهذه الخطوات، لا يزرع مالًا فقط، بل يزرع إنسانًا قادرًا على حمل راية المستقبل.
مشاركة عبر:
-
عندما تتحول الطبيعة إلى مصدر دخل… فهل ننتظر أم نبدأ
17/10/2025 00:37
-
إعلام قرار .. أمانة عمّان
17/10/2025 00:37
-
العصف الذهني المجتمعي
17/10/2025 00:37
-
برقية إلى الملك المؤسس .. ارتباط مجيد
17/10/2025 00:37
-
استشهاد القائد يحيى السنوار... الصمت الذي دوّى في قلب الاحتلال
16/10/2025 16:06
-
الشرق الأوسط بين ضباب التسويات ومكر الخرائط
16/10/2025 00:31
-
السياحة العلاجية الأردنية .. من يعيد البوصلة
16/10/2025 00:31
-
النخب السياسية المعلَّبة .. أقنعة الحداثة في مرايا العالم الثالث
16/10/2025 00:31
-
مصافحة باردة تشعل التحليل السياسي: كيف ردّ الملك عبد الله على حماس ترامب في قمة السلام
16/10/2025 00:30
-
الأردن .. الحكمة التي تنحاز للحق دائماً
15/10/2025 01:41