ذكاءٌ يحتاج إلى احتواء

أخبار هنا العالم - الدكتور أشرف مصطفى
في خضم سعينا الدائم لاكتشاف القدرات الاستثنائية لدى أبنائنا، كثيراً ما نحتفي بالطفل مرتفع الذكاء باعتباره «مشروع عبقري»، ونغدق عليه التقدير والإعجاب.
ولكن بينما يبرع في التحليل وحلّ المشكلات، قد يعاني من صعوبات في بناء علاقات طبيعية مع أقرانه.
الطفل مرتفع الذكاء لا يرى العالم كما يراه الآخرون، فهو يطرح أسئلة، ويجادل في تفاصيل، ويبحث عن المنطقي في كل موقف. هذه السمات وإن كانت دليلاً على نضج مبكر، فإنها قد تُفسَّر من قبل المحيطين به على أنها غرابة أو تعالٍ، ما يؤدي إلى عزله أو رفضه اجتماعياً. وهنا تبدأ معاناته بين عقلٍ متقد، وقلبٍ يبحث عن القبول والانتماء.
وحقيقة من الحقائق التربوية التي يغفلها كثيرون أن الذكاء المرتفع لا يعني بالضرورة نضجاً عاطفياً أو اجتماعياً، بل إن بعض هؤلاء الأطفال يكونون شديدي الحساسية، يتأثرون بالنقد، ويشعرون بالخذلان بسهولة، ويجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو فهم مشاعر الآخرين. وإذا لم يُحتضنوا تربوياً بطريقة متوازنة، فإنهم قد ينزلقون نحو الانطواء، أو التمرد، أو حتى الرفض الكامل للمنظومة التعليمية والاجتماعية.
التعامل مع هذه الفئة يتطلب وعياً تربوياً عميقاً، لا يكتفي بتغذية القدرات العقلية، بل يولي اهتماماً خاصاً بتنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية.
من الضروري أن نوفر لهم بيئات تعليمية مرنة، تسمح لهم بالتعبير عن أفكارهم دون خوف، وتمنحهم فرصاً للتفاعل مع أقران يشاركونهم الاهتمامات حتى وإن اختلفت أعمارهم، كما أن إشراكهم في أنشطة جماعية ذات طابع إبداعي أو علمي، يساعدهم على بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتكامل الفكري.
دور الأسرة هنا محوري، فهي الجسر الأول الذي يربط الطفل بالعالم. على الوالدين أن يتجنبا دفع الطفل نحو الكمال، أو تحميله مسؤوليات تفوق عمره، بل أن يمنحاه مساحة للخطأ، وللعب، وللتجربة، والحوار اليومي، والاحتواء العاطفي، وتقدير التفرد دون تضخيمه، لمنحه شعوراً بالأمان الداخلي.
أرى دائماً أن الذكاء ليس مجرد قدرة عقلية، بل منظومة متكاملة تشمل الفكر، والعاطفة، والعلاقات. وإذا أردنا لأطفالنا مرتفعي الذكاء أن ينجحوا بحق، فعلينا أن نرعاهم كأشخاص متكاملين، لا كأرقام في اختبارات الذكاء.
جامعة الإمارات العربية المتحدة
مشاركة عبر:
-
عندما تتحول الطبيعة إلى مصدر دخل… فهل ننتظر أم نبدأ
17/10/2025 00:37
-
إعلام قرار .. أمانة عمّان
17/10/2025 00:37
-
العصف الذهني المجتمعي
17/10/2025 00:37
-
برقية إلى الملك المؤسس .. ارتباط مجيد
17/10/2025 00:37
-
استشهاد القائد يحيى السنوار... الصمت الذي دوّى في قلب الاحتلال
16/10/2025 16:06
-
الشرق الأوسط بين ضباب التسويات ومكر الخرائط
16/10/2025 00:31
-
السياحة العلاجية الأردنية .. من يعيد البوصلة
16/10/2025 00:31
-
النخب السياسية المعلَّبة .. أقنعة الحداثة في مرايا العالم الثالث
16/10/2025 00:31
-
مصافحة باردة تشعل التحليل السياسي: كيف ردّ الملك عبد الله على حماس ترامب في قمة السلام
16/10/2025 00:30
-
الأردن .. الحكمة التي تنحاز للحق دائماً
15/10/2025 01:41