الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

من يربّي من؟ اكتشف اهتمامات ابنك الخفية


الأحد   01:33   14/09/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - الدكتور أشرف مصطفى
في زمنٍ متغير ومتسارع، لم تعد التربية مجرد توجيه أو مراقبة أو إعطاء أوامر ثابتة، بل أصبحت مغامرة مشتركة بين جيلين يفصل بينهما أكثر من مجرد سنوات العمر. إنها فجوة رقمية تتطلب من الآباء أن يعيدوا تعريف دورهم، لا كحراس، بل كرفاق في رحلة الاكتشاف.

فلم يعد الأمر مجرد صراع تقليدي على قضاء الوقت بين المذاكرة واللعب، بل تحوّل إلى حوار بين عالمين منفصلين: الآباء الذين نشأوا في عالم ملموس، وأبنائهم الذين يتشكّل وعيهم في فضاء رقمي لا يعرف الحدود. الفجوة لم تعد تقليدية، بل أصبحت فجوة رقمية فرضتها التغيرات السريعة، لذا وجب علينا طرح سؤال مُلحّ: كيف نفكّ شفرة هذا العالم المجهول الذي يعيش فيه أبناؤنا؟

الإجابة لا تكمن في التوجّس والمنع، بل في الاستعداد للاستكشاف. يبدأ الحل عندما يتحوّل الأب من حارس يقف على حدود هذا العالم الغريب إلى رفيق فضولي يقرع بابه بلطف. جملة بسيطة مثل «ما الذي يعجبك في هذا المشهد الرقمي؟». أو «هل يمكن أن تعلّمني أساسيات هذه اللعبة؟». هذه المشاركة تشكّل مفترق طرق في العلاقة، إنها إشارة من الأب بأنه لا يريد مراقبة ابنه من برج عاجي، بل أن يفهمه من داخله.

في هذا العالم الافتراضي، لا ينبغي للآباء التوقّف عند فكرة أن هذه الهوايات مجرد إضاعة للوقت. حقيقة إن لأبنائنا منطقهم الخاص؛ فمنصات مثل المنصات الاجتماعية وألعاب الفيديو ليست مجرد تطبيقات، بل هي ساحات اجتماعية حيث يبني المراهق هويته، ويكوّن صداقاته، ويبحث عن رفقاء. إن فهم هذا المعنى يغيّر زاوية النقاش جذرياً بين جيلين.

لكن الفهم لا يعني التراخي. يبقى دور الأب محورياً في ترسيخ قيم الأمان الرقمي، وضبط الوقت، ومواجهة خطاب الكراهية، ولكن بأسلوب حواري لا سلطوي. عندما يشعر الطفل بأن والده يحاول فهم عالمه، يصبح أكثر استعداداً للاستماع والمشاركة.

نهايةً أرى أن التربية في العصر الرقمي الحالي لم تعد مجرد توجيه، بل أصبحت رحلة استكشاف مشتركة. الأبناء ليسوا غرباء، وعالمهم ليس عدواً. المفتاح ببساطة هو أن ننزل من برجنا، ونتعلّم لغتهم، ونسأل بطريقة صادقة: «أخبرني، ماذا يعجبك في عالمك؟». الإجابة قد تقرّبنا أكثر مما نتصوّر.

جامعة الإمارات العربية المتحدة


مشاركة عبر: