أم لم يعرفوا رسولهم

أخبار هنا العالم - د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
نعى الله، تعالى، على قوم كذبوا رسولهم وهم يعرفونه حق المعرفة؛ فقال سبحانه: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾، يعرفون صدقه وأمانته وعفافه وزهده وكرمه وحلمه وشجاعته وكل أخلاقه العظيمة، ومثل من كان معروفاً كهذا لا ينكر ما يدعو إليه، فإنه يدعو إلى رُشد وهدى، فإن الإنكار إنما يُتأتى لمن لا يعرفه الناس بالفضائل والفواضل، أما من كان معروفاً بكل خصال الكمال والعظمة، فيجب أن يُصدق في دعواه الرسالة، لاسيما وقد أُيِّد بالمعجزات الباهرات القاهرات، فهذا الإنكار والتنكر أمر عجيب!
وفي الآية الكريمة دلالة على وجوب التعرف إلى صاحب الرسالة سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، فنحن لم نشاهد طلعته البهية، ولم نجلس مجالسه النبوية، ولم نغز معه، ولم نجاهد بين يديه حتى نعرفه، فلم يبق لنا سبيل إلى معرفته إلا من خلال قراءة سيرته وسنته لمعرفة شمائله وأخلاقه التي تشخصه لنا كأنه رأي عين، كما قال بعضهم:
أخِلاَّي إن شَط الحبيب وربعُه ... وعز تلاقيه وناءت منازلُه
وفاتكمُ أن تبصروه بعينكم ... فما فاتكم بالعين هذي شمائله
نعم هذه شمائله التي تقرأ في مجالس ذكرى مولده، عليه الصلاة والسلام، سواء في شهر ربيع أو في غيره من سائر الشهور، فيذكر فيها اسمه ونسبه وولادته ونشأته وصفاته الخَلقية والخُلقية وبعثته ودعوته وجهاده ومنزلته عند الله، تعالى، وعند أصحابه، وكل ما يتعلق بجنابه الشريف، وكل هذه الأمور هي السيرة النبوية، التي هي من سنته عليه الصلاة والسلام، التي كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يعلمونها أولادهم الذين لم يروا ما رآه أباؤهم، فيعلمونهم إياها كما يعلمونهم السورة من القرآن، كما قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني رضي الله عنه: «كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا وسراياه»، ويقول: «يا بنيَّ هذه شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها». يعلمونهم السيرة والشمائل والمغازي حتى يعرفوا رسولهم الذي أرسل إليهم وتشرفوا ببعثته، ليحبوه ويعزروه ويوقروه كما أمرهم الله تعالى، وحتى يتابعوه متابعة محب، وينالوا شرف المتابعة ومنزلة المحبوبية التي هي أعظم وسائل القربى لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أنت مع من أحببت» هذه السيرة التي عجَّت بها المكتبة الإسلامية منذ القرون الأولى المفضلة، غير أنها حبيسة الأدراج لا يفتش صفحاتها إلا أقل القليل من الناس، وتنشأ الأجيال لا تعرف رسولها ولا منزلته عند ربه، فتعصف بها أمواج التفلت والانحراف.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
مشاركة عبر:
-
عندما تتحول الطبيعة إلى مصدر دخل… فهل ننتظر أم نبدأ
17/10/2025 00:37
-
إعلام قرار .. أمانة عمّان
17/10/2025 00:37
-
العصف الذهني المجتمعي
17/10/2025 00:37
-
برقية إلى الملك المؤسس .. ارتباط مجيد
17/10/2025 00:37
-
استشهاد القائد يحيى السنوار... الصمت الذي دوّى في قلب الاحتلال
16/10/2025 16:06
-
الشرق الأوسط بين ضباب التسويات ومكر الخرائط
16/10/2025 00:31
-
السياحة العلاجية الأردنية .. من يعيد البوصلة
16/10/2025 00:31
-
النخب السياسية المعلَّبة .. أقنعة الحداثة في مرايا العالم الثالث
16/10/2025 00:31
-
مصافحة باردة تشعل التحليل السياسي: كيف ردّ الملك عبد الله على حماس ترامب في قمة السلام
16/10/2025 00:30
-
الأردن .. الحكمة التي تنحاز للحق دائماً
15/10/2025 01:41