الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

قراءة النصوص التراثية


السبت   00:26   13/09/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - د. كمال عبدالملك*
يُمثّل كل من عبدالفتاح كيليطو، وهارولد بلوم (1930–2019) قمتين بارزتين في حقل النقد الأدبي، غير أنهما ينتميان إلى ثقافات ومناهج مختلفة، ما يضفي على قراءاتهما للنصوص المؤسِّسِة تنوعاً وتبايناً غنياً.

كيليطو، الأكاديمي والناقد المغربي، يتعامل مع النصوص العربية الكلاسيكية والمعاصرة بمنهج مفتوح، لا يكتفي بالتأويل التاريخي أو السياقي لها، بل يغوص في أعماقها ليعيد إنتاجها ضمن أفق معرفي معاصر. في الأدب والغرابة والحكاية والتأويل والمقامات: السرد والأنساق الثقافية، يمتزج التأمل الفلسفي بالتحليل الفيلولوجي، وتصبح المقامة أو الحكاية أو النص الكلاسيكي بمثابة مرآة تعكس سحر اللغة وثراءها، كما يتجسد ذلك في أعماله الإبداعية: المرايا، وحصان نيتشه، أنبئوني بالرؤيا، ووالله إن هذه الحكاية لحكايتي.

في المقابل، يركز بلوم، الناقد الأميركي، على الصراع النفسي والإبداعي بين المؤلف وأسلافه، ما صاغه في نظريته الشهيرة عن قلق التأثر والتأثير (The Anxiety of Influence, 1973) يرى بلوم أنّ الشاعر أو الكاتب لا يبدع في فراغ، بل يخوض مغالبة شعرية (poetic agon) مع أسلافه لإنتاج صوت متميز وفريد. ولقد وظّف بلوم مفاهيم التحليل النفسي، لا لفهم النص وحده، بل لفهم نفسية المبدع، ما جعل دراسته أكثر تركيزاً على المؤلف وعلى البنية النفسية للعمل الإبداعي.

كيليطو يرى النصوص الكلاسيكية – مثل ألف ليلة وليلة، مقامات الحريري، وأعمال المعري والجاحظ – كمنطلق للتأمل في فن السرد، والتقنيات البلاغية، وأخلاقيات اللغة، مستثمراً التراث العربي في خدمة التجربة الفكرية المعاصرة. بينما بلوم ينظر إلى الكلاسيكيات الغربية – شكسبير، دانتي، ميلتون، وويتمان – باعتبارها أساسات «االمعيار الأدبي الغربي» الذي يسعى للحفاظ عليه، مع إصدار أحكام على قوة الكتابة وأهميتها في تشكيل الحرية الجوهرية للمتلقي.

أسلوب كيليطو يتميز بالدقة والرشاقة والسلاسة، ويقدّم متعة للقراءة والتأمل في الوقت نفسه، فهو يدمج النقد بالفلسفة والسرد واللغة، في حين أنّ أسلوب بلوم أكثر صرامة، قائم على المعايير الفنية والجمالية، وعلى تقييم المؤلفين كـ«أقوياء» أو «ضعفاء»، مركّزاً على الابتكار الأدبي وقلق المبدع الحالي من تأثير الأسلاف عليه.

القراءة عند كيليطو وبلوم ليست مجرد هواية مستحبّة، بل شعلة تضيء العقل والروح. كيليطو يحوّل النص إلى رحلة تتنفس اللغة والسرد، وبلوم يصوغ صراع المؤلف مع التراث ليولد التفرّد. معاً، يشكّلان رؤية متكاملة للأدب: نور خالد يضيء الفكر، ويترك في القلب والخيال أثراً لا يُمحى.

* باحث زائر في جامعة هارفارد


مشاركة عبر: