الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

الأمية في السعادة


الجمعة   00:01   12/09/2025
Article Image

أخبار هنا العالم - عيسى عبدالله الزرعوني*
رحلة عائلية دُفع فيها الكثير، كان هدفها المتعة والراحة، فإذا بالبعض يستعيد ذكريات سلبية تعكّر صفوها، أو يبالغ في ردّات فعل على تفاصيل يمكن أن تمر ببساطة. في النهاية يعود الجميع مستنزفين مالاً ومشاعر.. بلا نشوة ولا طمأنينة.

هذا ما أطلق عليه: الأمية في السعادة. أن تكون لديك كل أدوات البهجة، لكنك لا تعرف كيف تعيش اللحظة كاملة، تُشتّت نفسك بما لا داعي له، فتخرج صفر اليدين.

الروائية الفرنسية رافاييل جيوردانو، وصفت هذه الحالة في روايتها «حياتك الثانية تبدأ حين تُدرك أن لديك حياة واحدة»، عندما تحدّثت عن الأميين في السعادة، أولئك الذين يملكون المال والراحة لكن قلوبهم خاوية. تقول إن الدماغ مصنع أفكار، من يتركه أسير النقص والحرمان فإنه يعيش تعيساً، ومن يدربه على الامتنان يلمس الرضا في أبسط التفاصيل. السعادة ليست معجزة ولا هبة، بل مهارة تُكتسب، مثل القراءة تماماً، تحتاج إلى أن نتعلم حروفها ونتمرن عليها. و«الأمية العاطفية» آفة حقيقية، لأنها تترك الإنسان يشيخ في الحياة من دون أن يتذوقها.

وأتأمل حالنا اليوم: كم من شخص يملك الكثير، لكنه يعيش كأنه محروم. من يسافر ليطارد الماركات وينسى أن يتنفس هواء المكان. نحن متعلمون في كل شيء، لكننا نتلعثم في أول درس من دروس المتعة، فالسعادة ليست مربوطة بتذكرة سفر الدرجة الأولى أو الركض وراء «لايف ستايل» مزيف، بل في عمق اللحظة نفسها؛ مثل ضحكة طفلك وهو يلعب معك، وفي فنجان قهوة، وجلسة عائلية قصيرة.

ويسمي علم النفس هذا السلوك «Phubbing»، أي الانشغال بالعالم الافتراضي على حساب اللحظة الواقعية. هو سلوك يعكس الانفصال النفسي، ويقود إلى خواء عاطفي مهما كان المحيط جميلاً.

لكن الحل ليس معقداً. البداية أن نتعلّم الحضور الكامل (Mindfulness): أن نضع الهاتف جانباً، نستمع أكثر، نتنفس بوعي، ونسمح للحظة بأن تأخذ حقها. هي مهارات بسيطة، لكنها كفيلة بأن تفتح أبواب الراحة من جديد.

ابدأ بنفسك، أعطها حقها في الطمأنينة، فالحياة أقصر من أن تُهدر في قلقٍ لا ينتهي.

نطارد سراباً ونعود بأيدٍ فارغة، فيما السعادة على مقربة منا؛ في أنفسنا، وفي تفاصيل صغيرة نغفلها كل يوم.

فالسعيد حقاً هو من تعلّم لغة البهجة، لا من جمع مظاهرها.

*إعلامي


مشاركة عبر: