السجاد الكردي: إرث حضاري ينبض بالحياة رغم التحديات

أخبار هنا العالم - وُلدت صناعة السجاد الكردي من رحم التاريخ، وتحوّلت عبر العصور من مجرد حرفة يدوية إلى سجل حيّ يُجسد ملامح الهوية الثقافية الكردية، بما تحمله من رموز ودلالات متجذرة في وجدان الشعب الكردي. ورغم التحديات المعاصرة التي تُهدد استمرارها، لا تزال هذه الصناعة التقليدية صامدة، حاضرة في ورش ومعامل إقليم كردستان، نابضة بالحياة والرمزية.
ويُعدّ السجاد الكردي تحفة فنية تراثية، تتنوع أنواعه لتتجاوز 50 صنفاً، لكل منها خصائصه الفنية ونقوشه الفريدة. تُنسج هذه السجادات بأربع تقنيات رئيسية: زيلي، دوز، سوماك، وجيجيم، وتتميّز برسومات مستوحاة من الطبيعة، والحيوانات، والأشكال الهندسية، بالإضافة إلى رموز دينية وثقافية، تعود بعضها إلى الديانة الزرادشتية والأساطير الشعبية القديمة.
وقد نال السجاد الكردي شهرة واسعة بين القبائل والسلالات الحاكمة، لا سيما خلال عهد الإمارة الروادية، التي اشتهرت بصناعة السجاد في مدينة أردبيل، وكذلك في ظل الإمارة الشدادية التي برع فيها الأكراد بصناعة السجاد والأواني الفخارية.
وفي هذا السياق، يؤكد حيدر قادر حسن، المشرف الفني في معمل النسيج وحماية التراث، أن السجاد الكردي "ليس مجرد منتج نسيجي، بل سجل تاريخي يمتد لأكثر من أربعة آلاف عام"، مضيفاً أن "صناعة السجاد اليدوي تُعد جزءاً لا يتجزأ من معيشة الأكراد وتراثهم الثقافي العريق".
ويُبرز حسن أن النساء في العشائر الكردية ما زلن يمارسن هذه الحرفة وفق الطرق التقليدية، حيث تُستخدم خيوط من الصوف الطبيعي كصوف الأغنام وشعر الماعز، وتُلوّن بخلاصات نباتية وصبغات مستوحاة من الطبيعة الغنية لكردستان. ورغم إدخال بعض الآلات الحديثة في مراحل الإنتاج، إلا أن الطابع التراثي للعمل بقي حاضراً ومميزاً، إذ تتميز كل عشيرة بنمط معين يعكس تاريخها وبيئتها.
وفيما تُعدّ هذه الصناعة أحد أبرز رموز التراث الكردي، إلا أنها تواجه تحديات متزايدة، من أبرزها نقص المعدات والمواد الأساسية. ووفقاً لما صرّح به مجيد جلال، مدير معمل النسيج وحماية التراث، فإن "المعامل تُعاني من صعوبات كبيرة في تأمين مستلزمات الإنتاج مثل خيوط النسيج وأدوات الحياكة، ما يضطرها إلى استيرادها من الخارج"، مما يزيد من الأعباء المالية ويُهدد استمرارية الإنتاج.
ويرى جلال أن التحدي الأبرز يكمن في ضرورة حماية هذا التراث من الاندثار، وهو تحدٍ لا تتحمّله المعامل وحدها، بل يتطلب، بحسب تعبيره، "تدخلاً فعّالاً من وزارة الثقافة والإعلام ومؤسسات الدولة المختصة لتبني خطط واضحة لحفظ هذا الموروث الغني".
وفي السياق ذاته، ترى الحرفية جيان هوشيار أن السجاد الكردي اليدوي يُمثل "إرثاً عريقاً عمره أكثر من أربعة آلاف عام، يجمع بين الجودة الفائقة والتصميم الفريد"، مشيرة إلى أن السجاد الكردي يحظى بإقبال كبير في الأسواق الدولية لما يتميز به من أصالة ودقة في الصنعة.
من جانبهم، يؤكد المواطنون الأكراد أهمية الحفاظ على هذا التراث، إذ يرى المواطن حسين خضر أن اقتناء السجاد الكردي القديم لا يُعد مجرد اختيار جمالي، بل هو تعبير عن "انتماء عميق للهوية الثقافية". ويضيف: "نحن نشتري السجاد الكردي ليس كقطعة أثاث فقط، بل لأنه جزء من ذاكرتنا الجمعية… إرث شعبي ينبغي حمايته".
وفي ظل هذه التحديات، تستمر صناعة السجاد الكردي في أداء دورها كمكوّن أساسي من مكونات الهوية الثقافية لشعب كردستان، وكرمز لصمود الحرف التقليدية في مواجهة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدة أن ما يُنسج بالخيوط إنما ينسج أيضاً في الوجدان، رابطاً الماضي بالحاضر، ومؤسساً لمستقبل لا يزال يحتفي بالإرث الحي.
مشاركة عبر:
-
"الآن ناشرون وموزعون" تُطلق جائزة سميحة خريس للرواية الأولى عمّان
15/10/2025 13:39
-
اتحاد الكتاب يحتفل بتسليم جوائز مسابقاته في حقول الإبداع الأدبي
14/10/2025 13:13
-
سينما "شومان" تعرض الفيلم الفرنسي "امرأة عجوز سيئة السمعة" غدا
13/10/2025 19:39
-
الملتقى الأردني للخط العربي والزخرفة الإسلامية يفتتح معرض الخط العربي
13/10/2025 19:37
-
41 دار نشر أردنية تشارك في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في ليبيا
13/10/2025 17:15
-
الأحمد يرعى حفل تخريج طلبة مركز الفنون في مادبا
12/10/2025 17:46
-
حكمت الثقافة تكرّم غازي خطاب
12/10/2025 17:45
-
مؤسسة "شومان" تطلق منصة "أزرق" للمحتوى العربي
12/10/2025 14:29
-
صدور النسخة الإنجليزية من كتاب "علمتني الحياة" لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
11/10/2025 00:12
-
عمل أدبي أردني ينشر على صفحات المكتبة الرقمية لليونسكو.
09/10/2025 19:13