الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

لا تسأل: هل الغذاء الصحي مكلف


الأربعاء   21:21   20/08/2025
Article Image

اسأل: كم يكلفنا الغذاء غير الصحي؟

الدكتورة سميحة ذنيبات - يتحدث الناس كثيرًا عن “غلاء الغذاء الصحي”، وكأن الخيار بين طبق خضار أو وجبة برغر هو خيار طبقي لا خيار صحي. لكن الحقيقة أن القضية ليست في الأسعار ولا في الطبقات، بل في التسويق المضلل الذي حوّل البديهيات إلى سلعة تُباع بأضعاف ثمنها.

هناك حقيقة ذهبية لا يجب أن تغيب: لا تساوم في المرض. علم الاقتصاد الصحي واضح؛ فكل دينار تنفقه على غذاء متوازن اليوم، يوفّر عشرة دنانير غدًا على العلاج. مريض السكري الذي يرفض شراء الفواكه لأنها “مكلفة”، هو نفسه من يقف في طابور طويل ليدفع الثمن ذاته على صحن كنافة، ثم ينفق أضعافه لاحقًا على الإنسولين والمراجعات الطبية. أما محب الوجبات السريعة الذي يظنها “أوفر”، فسيدرك بعد سنوات أن ما وفّره قد تبخّر في أقسام الطوارئ. الحقيقة الصريحة أن الغذاء الصحي ليس باهظًا، لكن المرض باهظ فعلًا.

والمفارقة الساخرة أنّنا في بلادنا نملك “مناجم غذاء صحي” بوفرة: العدس والحمص والفول، بروتين الفقراء، هو نفسه البروتين الذي يوصي به خبراء التغذية عالميًا. والخضار الموسمية هي بالضبط ما تقوم عليه شهرة “الحمية المتوسطية” (Mediterranean Diet). أما زيت الزيتون، الذي كان يومًا “مونة البيت”، فقد صار يُعامل كترف غذائي، بينما هو في الحقيقة دواء القلب والعقل. أليس هذا مضحكًا مبكيًا؟

أما شركات الأغذية فلم تكتفِ بإغراق الأسواق بالسكريات والدهون، بل أتقنت فنّ خداع المستهلك. فهي تبيعنا منتجات “دايت”، و”زيرو”، و”خالية من الغلوتين” بأسعار مضاعفة، بينما الحقيقة أوضح من الشمس: الحل في التقليل لا الاستبدال، وفي البساطة لا التعقيد. بيضة مسلوقة أرخص وأفضل من أي “بروتين بار” مغلّف، وحبة برتقال أذكى وأغنى من أي “عصير مدعَّم بالفيتامينات”. لكننا – ببساطة – نفضّل أن ندفع ثمن الملصق لا ثمن المغذيات.

فلنقلها بوضوح: السؤال “هل الغذاء الصحي مكلف؟” سؤال مضلِّل. والسؤال الصحيح هو: كم يكلفنا الغذاء غير الصحي؟ والجواب باختصار: يكلفنا صحتنا، أعمارنا، واقتصادنا


مشاركة عبر: