أدونيس شاعر الشغف الجسدي واللغة الجامحة

اخبار هنا العالم - يُعد الحديث عن الحب وتجلياته الرؤيوية والإبداعية في الشعر العربي الحديث ناقصًا دون التوقف مطولًا عند تجربة الشاعر أدونيس، وما اتسمت به من فرادة وجرأة لافتتين. فبينما لا يُدرج اسمه عادةً في قائمة شعراء العشق بالمعنى التقليدي، كعمر بن أبي ربيعة أو نزار قباني، فإن التدقيق في أعماله يكشف بوضوح أن المرأة والحب يقعان في صميم مشروعه الأدونيسي، سواء على مستوى الرؤية والموقف أو الأفق الدلالي والتعبيري.

تُظهر أعمال أدونيس الشعرية الجوهر الحقيقي لعلاقته بالمرأة، وتؤكد نصوصه النثرية وحواراته على التلازم العضوي بين تجربته الشعرية ومشروعه الفكري. فما يتجلى في الشعر يتكرر في النثر، وإن اختلفت اللغة والأسلوب. إن رؤية أدونيس للحب متفردة؛ فهو يرى في حواراته أن الحب يجب ألا يتكرر، لأن التكرار يفقده جوهره ويحوله إلى مجرد غزل سطحي. بل يصف الحب بأنه ترنح دائم بين اللقاء والفراق، والاتصال والانفصال. ويمتد هذا المفهوم ليشمل الجسد، الذي لا يراه كيانًا واحدًا ثابتًا، بل كثرة متغيرة وصيرورة دائمة، أشبه بقارة تتسع وتنكمش.

للوقوف على عمق رؤية أدونيس للحب والعشق، يكفي التوقف عند قصيدته المميزة «تحولات العاشق»، ضمن مجموعته «كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل». يتجلى فيها بوضوح اعتناقه لمبدأ التحول الهيراكليتي، الذي ينعكس في ثنايا هذا العمل ومناخاته. تحتفي القصيدة بالجسد المعشوق وتعبيراته الحسية، متجاوزةً السطوح الظاهرة لتشق طريقها التأويلي وسط غابة من الرموز والتعارضات المتداخلة.

في تمهيده لقصيدة "تحولات العاشق"، يستشهد أدونيس بالآية القرآنية الكريمة «هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ»، وبقول القديس بالاماس «الجسد قبة الروح». هذا الاستشهاد المزدوج يصيب هدفين في آن واحد: فهو يؤكد على تفاعله الإيجابي مع النص الديني بشقيه الإسلامي والمسيحي، ويلفت الانتباه إلى أن الأديان، في بعدها الأعمق، تنظر إلى الجسد الإنساني بوصفه وديعة الخالق في الأرض وصنيعته المثلى. بالتالي، لا ترذل الأديان الجسد لذاته، بل تدينه فقط عندما يصبح أداة للنزق الصرف والانحلال الغريزي الحيواني. هذه النظرة ترفع الجسد من مجرد مادة إلى بعد روحي وفلسفي عميق، مما يسمح لأدونيس باستكشاف تجلياته الحسية والشهوانية ضمن إطار يتجاوز السطحية.