هاني الملقي: الانضباط المالي في مواجهة المديونية

اخبار هنا العالم - لم تظهر المديونية العامة في الأردن بشكل مفاجئ أو تتشكل أرقامها بين عشية وضحاها، بل هي حصيلة سنوات طويلة من السياسات الاقتصادية المترددة والتحديات المتراكمة. هذا الإرث الثقيل ألقى بظلاله على استقرار المالية العامة وأثقل كاهل الدولة، لتصبح الديون بمثابة جدار عالٍ بُني حجرًا تلو الآخر عبر الحكومات المتعاقبة.

عندما تولت حكومة الدكتور هاني الملقي مقاليد الحكم في الفترة من 2016 إلى 2018، وجدت نفسها في قلب عاصفة مالية ونقدية عاتية. ورثت الحكومة دينًا عامًا وصل إلى مستويات قياسية، حيث بلغ في فترات سابقة ما يقارب 118.4% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الوضع لم يكن نتاج لحظة عابرة، بل كان متجذرًا في عقود من العجز المتراكم في الموازنة وانخفاض الصادرات، بالإضافة إلى تأثير الأزمات الإقليمية التي أرهقت قطاعات حيوية مثل السياحة.

ما ميّز حكومة الملقي هو أنها لم تستسلم لثقل هذا الإرث، ولم تتعامل مع الأرقام بمنطق الإنكار أو التهاون. بل واجهت الحقيقة بشجاعة، وسعت بجدية إلى كبح جماح الاستدانة وضبط وتيرتها. ورغم أن حجم الدين ظل مرتفعًا، إلا أن المؤشرات أظهرت أن حكومة الملقي كانت من أقل الحكومات استدانة، حيث نجحت في إبطاء سرعة تراكم الدين العام. اعتمدت الحكومة سياسة مالية أكثر انضباطًا، وجمعت بين التمويل المحلي المدروس وتمديد آجال الدين لتخفيف المخاطر المستقبلية وتقليل الأعباء على المدى الطويل. هذا النهج يمثل تحولاً جذريًا نحو إدارة أكثر رشادة للموارد المالية للدولة.

واجه الملقي وحكومته ضغوطًا هائلة من جبهات متعددة. كان الإقليم يغلي بالاضطرابات، والاقتصاد العالمي يمر بأزمات متتالية، بينما كان الداخل مثقلاً بتبعات اللجوء السوري وتباطؤ النمو الاقتصادي. هذه الظروف المعقدة كان من الممكن أن تدفع أي حكومة إلى التراخي، لكن حكومة الملقي اختارت عدم ترك السفينة للتيار. بل أمسكت بدفة القيادة بقوة، محاولةً منع المديونية من الانفلات، حتى لو كان ذلك على حساب كلفة سياسية جسيمة دفعتها لاحقًا في الشارع، كما حدث مع احتجاجات قانون الضريبة.