الرجاء الانتظار...

Main Logo
اخبار هنا العالم

شهداء الصحافة في غزة ... الكلمة الأخيرة كانت دما


الاثنين   15:32   25/08/2025
Article Image


اخبار هنا العالم - بقلم - يوسف الفقهاء

في غزة، لم تعد الكاميرا مجرد أداة لنقل الصورة، بل أصبحت شاهدًا على الجريمة وشهيدة في آن. هناك، حيث الحرب لا تميز بين طفل وصحفي، بين مستشفى ومكتب إعلامي، يرتقي الصحفيون واحدًا تلو الآخر، لا لأنهم أخطأوا الطريق، بل لأنهم اختاروا الحقيقة طريقًا.

خلف كل خبر عاجل، كان هناك صحفي يسابق الموت لينقل صورة، صوت، أو شهادة حية من تحت الركام. واليوم، بينما تُكتب هذه السطور، هناك أربعة وجوه جديدة أضيفت إلى قائمة طويلة من شهداء الكلمة، بعد أن طالتهم صواريخ الاحتلال الإسرائيلي في قصف مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس:

* مريم أبو دقة – صحفية حملت قضايا النساء والأسر المهمّشة، وارتقت حاملة كاميرتها وقضيتها.
* محمد سلامة – مصور قناة الجزيرة، رجل الخطوط الأمامية، الذي وثّق اللحظة ولقي حتفه فيها.
* حسام المصري – مصور وكالة رويترز، عُرف بدقة عدسته وشجاعة مواقفه.
* معاذ أبو طه – المصور الحر، الذي صوّر الألم بكل ألوانه، حتى أصابه رماد الحرب.

وفي نفس القصف، استشهد كذلك ضابط الإسعاف عبد الله الشاعر، وعشرة مواطنين مدنيين آخرين، لتتحول باحة المستشفى إلى مشهدٍ جنائزي بدلاً من أن تكون ساحة إنقاذ.

عندما تكون الكاميرا هدفًا

لا يُقتل الصحفي صدفة. هذه حقيقة باتت راسخة في غزة، حيث بات استهداف الإعلاميين يتم بشكل ممنهج، ومتكرر، رغم وضوح هويتهم الميدانية، وارتدائهم سترات الصحافة المميزة. ومع كل قصف، تُفقد غزة صوتًا، وتُكسر عدسة، ويُغتال جزء من الحقيقة.

لكن رغم ذلك، تستمر التغطية. يقف زملاؤهم أمام الكاميرات، يبكونهم لدقيقة، ثم يُكملون الطريق. هذه ليست بطولة فقط، بل التزام أخلاقي وإنساني، يُجسّد أسمى معاني المهنة.

غزة.. مقبرة الصحفيين وشاهدهم

منذ بداية العدوان في أكتوبر الماضي، ارتقى أكثر من **100 صحفي وصحفية** في غزة، في أرقام صادمة تفوق عدد ضحايا الإعلام في أي نزاع حديث. ومع كل شهيد، تُدفن قصة، وتتوقف كاميرا، ولكن لا تنطفئ الحقيقة.

تُرك الصحفيون في غزة وحدهم، دون حماية دولية، ودون أن يلقى مقتلهم الاهتمام القانوني والحقوقي المطلوب. فهل تُصبح دماؤهم مجرّد أرقام في نشرات الأخبار؟

الصحفي ليس طرفًا.. بل ضمير

في عرف الحرب، يُصنَّف الصحفي كمدني، ومهمته محمية بموجب اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني. لكن في غزة، يبدو أن القانون يُعطَّل، والحصانة تُنتزع، ويُعامل حامل الكاميرا كما يُعامل حامل البندقية.

إن ما يجري ليس فقط حربًا على البشر، بل على الصورة، وعلى الرواية، وعلى الضمير العالمي الذي يُراد له أن يظل أعمى.

الختام: عدسة لا تُطفأ

رغم الألم، تستمر الكاميرات بالدوران، وتستمر الكلمات في التدفق من تحت الأنقاض. قد يرحل الصحفي، لكن أثره لا يُمحى، وعدسته لا تُطفأ، وحقيقته لا تموت.

إلى شهداء الصحافة في غزة:
لم يكن الموت كافيًا لإسكاتكم، فأنتم الآن لستم فقط شهودًا على المأساة… بل أنتم جزء من التاريخ.


مشاركة عبر: