تجارة السلع الأساسية في سويسرا مستقرّة رغم المنافسة الدولية

اخبار هنا العالم - لطالما تميزت سويسرا، وبالأخص مدينة جنيف، بكونها مركزاً حيوياً ورائداً في مجال تجارة المواد الأولية على الصعيد العالمي. تستضيف البلاد مقرات رئيسية لعمالقة الصناعة مثل غلينكور، غونفور، ترافيغورا، كارغيل، ولويس دريفوس، مما يعكس مكانتها المحورية في هذا القطاع الحيوي. ومع ذلك، تشهد الساحة العالمية لتجارة السلع الأساسية تحولات متسارعة وتحديات متزايدة، مما يدفع سويسرا إلى إعادة تقييم استراتيجياتها للحفاظ على قدرتها التنافسية.

يشير سيباستيان لانديريتش، رئيس جمعية SUISSENÉGOCE، وهي الجمعية الأم التي تدافع عن مصالح الشركات العاملة في تجارة السلع الأساسية في سويسرا، إلى أن بعض الأنشطة ذات القيمة المضافة المنخفضة قد بدأت بالانتقال خارج الحدود السويسرية. هذا التوجه يسلط الضوء على الضغوط التنافسية الشديدة التي تواجهها سويسرا من مراكز تجارية ناشئة مثل دبي وسنغافورة، التي تبرز بفضل مزاياها الضريبية وأطرها التنظيمية الأكثر مرونة.

تعتبر جنيف، بتمركزها الجغرافي وقربها من المؤسسات السياسية الدولية، ركيزة أساسية لقطاع تجارة السلع الأساسية السويسري. هي ليست مجرد مدينة تستضيف مقار الشركات، بل هي بيئة متكاملة توفر بنية تحتية عالية الكفاءة، ونسيجًا متنوعًا من الشركات، وخبرة مرموقة خاصة في تمويل الأنشطة التجارية. هذه المزايا التاريخية ساهمت في ترسيخ مكانة سويسرا كمركز موثوق ومحايد للشركات الباحثة عن الاستقرار.

في مقابلة أجراها سيباستيان لانديريتش على هامش مؤتمر "جنيف دراي"، وهو أكبر ملتقى عالمي حول النقل البحري للسلع الأساسية، أكد أن أولويته كرئيس لجمعية SUISSENÉGOCE تتمثل في الحفاظ على جاذبية سويسرا للشركات التجارية الفاعلة. شدد لانديريتش على أن سويسرا لا يمكنها الركون إلى إنجازاتها السابقة، بل يجب عليها العمل باستمرار على الارتقاء بشروطها الإطارية. يشمل ذلك تعزيز توفير العمالة الماهرة وتحسين الشفافية في القطاع.

على الرغم من هذه المزايا، شهد العقد الماضي تصاعدًا في المنافسة، خاصة من مراكز مثل دبي وسنغافورة. هذه المراكز نجحت في جذب العديد من الشركات بفضل سياساتها النشطة في استقطاب الاستثمارات، والتي تشمل إعفاءات ضريبية وحوافز تجارية مغرية. على سبيل المثال، شهد مركز دبي للسلع المتعددة تأسيس حوالي 20,000 شركة جديدة في غضون عامين بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، في حين يضم قطاع تداول السلع في سويسرا حوالي 900 شركة تجارية فقط. هذا التباين يسلط الضوء على الحاجة الملحة لسويسرا لتطوير استراتيجيات جديدة للحفاظ على زخمها.

تدرك سويسرا أهمية الشفافية في الحفاظ على سمعتها كمركز تجاري موثوق. تعمل البلاد على تعزيز الشفافية في قطاع المواد الأولية، وتدعم مبادرات دولية مثل مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI). ومع ذلك، هناك نقاش حول مدى شمولية هذه الشفافية، حيث تطالب منظمات غير حكومية بالمزيد من الشفافية، خاصة بالنسبة للشركات التي تقوم بعمليات الاستخراج، مع استثناء بعض جوانب التجارة.

يؤكد سيباستيان لانديريتش أن نجاح القطاع لا يعتمد على التخطيط المركزي للدولة أو على سياسة صناعية طموحة، بل على نظام قادر على جذب الشركات الباحثة عن بيئة محايدة وموثوقة وتنافسية. هذا يتطلب توازنًا دقيقًا بين الحرية الاقتصادية والإطار التنظيمي المناسب. تساهم الدولة في تحسين هذا الإطار من خلال توفير العمالة الماهرة والتدريب المتخصص لدعم القطاع.

بيئة الأعمال المستقرة والمزايا الفريدة
تتمتع سويسرا ببيئة أعمال مستقرة وجذابة للمستثمرين بفضل استقرارها الأمني والسياسي والنقدي. يتميز اقتصادها بمعدلات دخل مرتفعة للفرد ومعدلات بطالة منخفضة وميزانية متوازنة. كما أنها مكان مناسب لممارسة الأعمال التجارية بفضل سهولة تأسيس الشركات والمعاملة الضريبية المميزة للشركات القابضة. هذه العوامل مجتمعة تجعل سويسرا ملاذًا آمنًا ومفضلاً للعديد من الشركات العالمية.